الأحد، 29 مايو 2016

مقدمات ضرورية




بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وعلي آله وصحبه ومن والاه أما بعد .

مقدمات ضرورية
1
كنت أتسائل دوما لماذا لم يتكلم علماء السلف في القرون الأولي عن الفقه السياسي أو فقه إدارة أمور الدولة
ولماذا لم يتعرضوا للإنحراف الذي  تعرض له مفهوم الحكم في الإسلام من خلافة إلي ملك
هل كانت تنقصهم الشجاعة – حاش لله – أم هل تنقصهم المعرفة أو الدراية – حاش لله –
فلم يك ينقصهم شئ مما سبق
ثم بدا لي – بعد قراءة تنقية أصول التاريخ الإسلامي لحسين مؤنس – أن السبب الحقيقي هو أن العلماء كانوا قد سيطروا علي المدارس والتعليم في تلك العصور فلقد كان هناك مدارس المذاهب الأربعة وغيرها
كما انهم قد سيطروا علي القضاء فلقد كان القضاة يتخرجون من المدارس الفقهية السابقة وبالتالي فإن حياة الأمة خاضع للشريعة تحت رعاية العلماء رحمهم الله
فلم تبق إلا الأموال التي للحاكم عليها سلطان وهي – في ظل الحياة الإسلامية تربية  وسلوك علم وعمل وتحاكم وتقاضي – غرض زائل ودنيا فانية لا تلزمهم في شئ
والسلطان الحقيقي كان بيد العلماء في تلك الحقب 
كما أن الحكام كانوا يجرون الجند إلي الفتوحات الإسلامية ونشر الإسلام في ربوع الأرض المختلفة
بالتالي مسائل الحكم في هذا السياق لم تك بنفس درجة الأهمية التي نعانيها في عصرنا حيث فقدنا السيطرة علي كل مناحي الحياة
مما سبق نخلص بنتيجة غاية في الأهمية وهي أن الجناحين الذين تحتاجهما الدعوة الإسلامية لتحلق الأمة من جديد هما التعليم والقضاء
2
التعليم في عصرنا  يشمل  المؤسسات التعليمية  والمؤسسات الثقافية والمؤسسات الإعلامية الكلاسيكية والالكترونية 
3
مررنا بمراحل تراكمية  لنصل إلي ما وصلنا إليه اليوم  وبعض التراكمات تعود لمئات السنين لذا استقرت
لذا نحتاج إلي مراجعة دقيقة لكل المفاهيم التي باتت مسلمات منذ قرون وليست كذلك
اضرب مثال :
يستعمل الإنسان من 1% إلي 10% من قدرته العقلية
تلك العبارة التي يدندن بها علماء كثر منهم من يتكلم في علم النفس ومنهم من يتكلم في التنمية البشرية ومنهم من يتكلم في العلوم العقلية والعصبية
والحقيقة أن هذه خرافة ليست حقيقة
أطلقها ويليام جيمس عالم النفس في أحد كتبه ثم ذاعت وانتشرت حين طرحها ديل كارينجي في أحد كتبه وصارت بعدها مسلمة من المسلمات وهي غير ذلك
بالمثل لدينا مئات بل آلاف الأمثلة عن خرافات تعيق تقدم الأمة تحتاج إلي مراجعة
وباتت تلك الخرافات مخدر حقيقي يخدر الأمة  ويمنعها من النهوض مجددا لممارسة دورها في خلافة الأرض


4
تشعبت المعارف والعلوم وكان لدينا موقف – خاطئ – سابق من بعضها فوقعنا في عزلة منها نحتاج اليوم إلي فك الحصار  والخروج من العزلة  والتعرف علي آخر ما وصلت إليه هذه المعارف وإعادة إنتاج هذه العلوم في ضوء التصور الإسلامي للإنسان والكون  للحياة والآخرة
ومنها :
1- علم النفس مثال  ألفريد آدلر و دستوفيسكي
2- علم الإجتماع  مثال غوستاف لوبون  و غنديز
3- فن الحكم  ميكافيلي وغوستاف لوبون  وروبرت جرين
4- فن الحرب  صن زو  و  روبرت جرين
5- علم الاقتصاد (الاقتصاد الكلي ونظرياته أو الاقتصاد السياسي  )

5
وضع آينشتين النظرية النسبية عام  1905 م  ولم يقم بتجربة علمية واحدة وهي إلي الآن هي ونظرية مكيانيا الكم هما محور التقدم العلمي  الذي نعيشه
فكل المعلومات التي استخدمها آينشتين في نسبيته هي معلومات قديمة ولكن آينشتين فكها وأعاد تجميعها
 و مهما كانت السنوات الماضية مجدبة  قاحلة في نظرنا  يظل هناك عطاء وحصاد لبذور كان يبذرها عبقري لم تلتفت الأمة لجهوده وآن الأوان لتجميع ذلك  وإعادة صياغته لذا يجب علينا التدقيق في تراثنا التراكمي خلال  14 قرن نفحصه بشده نميز بين العلماء فنكتشف العبقري  نحدد سر عبقريته ومواطن إبداعه ونجمع ذلك كله فلن تحتاج نهضتنا أكثر من ذلك  
ولكن علينا ألا نسرف في وصف العبقرية فهي شحيحة و لا الإبداع فهو نادر
كما أننا يجب أن نركز علي المهمل لا ما شاع واستفاد منه الناس واستقامت بالفعل به الحياة
علي سبيل المثال :
1-  جهود أمين الخولي في النهضة بالعربية والبلاغة
2- كلمات محمود بسيوني عن الفن
3-عبقريات ابو حامد الغزالي في السلوك والتربية
4-إبداعات محمد عطية الإبراشي  في التربية
5- كامل الكيلاني وأدب الأطفال
6- حسين مؤنس
7- جمال حمدان
8- ماجد عرسان الكيلاني ( الأمة)
9- أبو المعالي الجويني ( غياث الأمم في التياث الظلم )
10- العز ابن عبد السلام ( قواعد الأحكام في مصالح الأنام )
11- الشاطبي ( الموافقات )
12- الطاهر بن عاشور ( مقاصد الشريعة – أصول النظام الإجتماعي في الاسلام )
13- ابن خلدون ( المقدمة)
14- ابن تيمية ( درء التعارض – التدمرية )


6
تسبق حركة تغيير الواقع حركة ذهنية محضة لتصور الواقع الجديد المرغوب فيه ، وكلما كانت تلك الصورة الذهنية  عن الواقع الجديد تفصيلية ملونة متشعبة متشابكة كلما قرب تحققها في الواقع
وكلما كانت مجملة مبهمة كلما كانت أماني بل إن شئت أضغاث أحلام
رفع الإسلاميون شعارا براقا الإسلام هو الحل – وهو صحيح لا ريب فيه – ولكن أين التفاصيل ؟!
كيف يكون الإسلام هو الحل في كل صغيرة وكبيرة في الحياة لم نتكلم عن ذلك !!!!
عرض الإسلام كمدنية تحكم حياة الناس – وهو كذلك بالفعل -  يجب أن يكون مصحوبا بكل التفاصيل
من أول الدساتير وفن الحكم  وتداول السلطة إلي توابل الطعام وفنون الراحة والاستجمام

يساعد علي رسم الصورة الذهنية الفنون والآداب  فكل حركة تغيير كبيرة في التاريخ سبقتها إرهاصات إبداعية من قصص وكتب وأفلام وأشعار وصور
 هذا يجعل الفن في مقدمة التغيير  والفن بمفهومه الشامل لا فنا بعينه

7
التغيير الذي نرجوه يمر – أو نمرره -  علي شبكة من الطرق والكباري العتيقة  فيتحرك ببطء وأحيانا يتعثر فيقف  لذا نحتاج إلي إصلاح شبكة الطرق والكباري قبل أو بالتوازي مع عملية التغيير وهي عملية تفاعلية يرجع صداها إلي إسراع وتحسين عملية التغيير نفسها
أما الشبكة فهي ممارساتنا العقلية ومهارتنا الذهنية
لذا نحتاج إلي الاهتمام بالعقل وطرق التفكير وأدواته  في عملية متزامنة مع التغيير نفسه وإن كانت سابقة للتغيير فلا بأس أيضا بذلك
فإذا كان الفن(العقل الإبداعي) في المقدمة فالعقل (بكل ما في الكلمة من معني )هو التالي
8
المعني
معني عملية التغيير معني الحياة معني العمل معني الأجر
المعني هو من يتحكم في مسار عملية التغيير  والمعني هو من يعطي الروح لعملية التغيير ومفرداتها وخطواتها  ويضبط المعني ويؤطره الكلام علي النية والصدق والإخلاص وما نحتاجه هنا هو فقه النيات لا الكلام الوعظي عن النية فالنية ليست تحت الاختيار بل هي باعث الحركة والعمل فتحتاج إذن إلي تربية ومجاهدة لا خطب ومواعظ وتحتاج إلي تركيز ومداومة وتذكير دائم ليست بعبارات مجملة بل بتفصيلات محكمة

9
الإطار العام
الإطار العام هو إطار تفصيلي لا مجمل  وهو روح الشريعة الإسلامية وهو المذكرة التفصيلية لعبارة الإسلام هو الحل أو الإسلام منهج حياة وكل هذا وهو يعني مقاصد الشريعة
وهي الحكم والمعاني التي من أجلها شرع الله الشرائع فمن أجلها حرم المحرمات وأوجب الواجبات وأباح المباحات وأدخل من التزم بها الجنات وعاقب من حاد عنها بأقسي العقوبات

10
من نحن؟
من نحن هو السؤال الواجب طرحه وشرحه للعالم أجمع
وهو يحتاج إلي بحث جديد مكوناته أربع ( الأمة المسلمة – إمام المسلمين – دستور أمة الإسلام – مقاصد الشريعة )

11
ماذا نريد؟
هو السؤال التالي بعد تحديد الهوية
ويجمله ( الإيمان بالله  والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي تكنولوجيا التغيير في الإسلام وهي فن المعارضة الفعالة
وإن كنا شوهنا مفهومها بقصرها  علي المعاصي والذنوب  الشخصية دون الأمور العامة والشان العام  فاصلين عن غير وعي بين المعاصي بين الفرد وربه وبين المعاصي المقترفه في الحقوق العامة وكلاهما تشمله تكنولوجيا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

12
ولكن كيف ؟
السؤال الثالث بعد سؤال الهوية المكملة بالرسالة
هو سبيل تحقيق الغاية المتضمنة لهويتنا ورسالتنا
وهذا لا يتم إلا بثلاث:
فهم الطبيعة البشرية(علم نفس الفرد – علم الإجتماع)
إتقان العلوم الإدارية
إتقان العلوم التخصصية التطبيقية